تنشر ‘اليوم السابع’ نص الديباجة، التى أقرتها لجنة الخمسين لتعديل الدستور، منذ قليل، فى أولى جلسات التصويت النهائى على مشروع الدستور.
وكانت لجنة الخمسين قد بدأت جلساتها النهائية للتصويت على المشروع الجديد للدستور، بالموافقة على ديباجة الدستور، اليوم (السبت)، والتى تضمنت النص على ‘مدنية الحكم’، وتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية وفقا لأحكام المحكمة الدستورية العليا.
وحظيت الديباجة بإجماع الحاضرين، بعد تصفيق الحاضرين من أعضاء اللجنة الأصليين، دون الأخذ بالتصويت الإلكترونى، بعدما تلا عمرو موسى، رئيس اللجنة، نص الديباجة أمامهم.
إلى نص الديباجة:
هذا دستورنا
مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية.
مصر العربية، بعبقرية موقعها وتاريخها، قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهى رأس أفريقيا الُمطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل.
هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب.
فى مطلع التاريخ، لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام، فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسسوا أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة، وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة.
مصر مهد الدين، وراية مجد الأديان السماوية.
فى أرضها شب كليم الله، وتجلى له النور الإلهى، وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين.
وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعًا عن كنيسة السيد المسيح.
وحين بُعث خاتم المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، للناس كافة، ليتمم مكارم الأخلاق، انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهادًا فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين.
هذه مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا.
وفى العصر الحديث، استنارت العقول، وبلغت الإنسانية رشدها، وتقدمت أمم وشعوب على طريق العلم، رافعة رايات الحرية والمساواة، وأسس محمد على الدولة المصرية الحديثة، وعمادها جيش وطنى، ودعا ابن الأزهر رفاعة أن يكون الوطن ‘محلا للسعادة المشتركة بين بنيه’، وجاهدنا، نحن المصريون للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات، فى العديد من الهبات والانتفاضات والثورات، حتى انتصر جيشنا الوطنى للإرادة الشعبية الجارفة فى ثورة ’25 يناير – 30 يونيو’، التى دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة.
هذه الثورة امتداد لمسيرة نضال وطنى كان من أبرز رموزه أحمد عرابى، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وتتويج لثورتين عظيمتين فى تاريخنا الحديث:
ثورة 1919 التى أزاحت الحماية البريطانية عن كاهل مصر والمصريين، وأرست مبدأ المواطنة والمساواة بين أبناء الجماعة الوطنية، وسعى زعيمها سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس على طريق الديمقراطية، مؤكدين أن ‘الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة’، ووضع طلعت حرب خلالها حجر الأساس للاقتصاد الوطنى.
وثورة ’23 يوليو 1952′ التى قادها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، واحتضنتها الإرادة الشعبية، فتحقق حلم الأجيال فى الجلاء والاستقلال، وأكدت مصر انتماءها العربى وانفتحت على قارتها الأفريقية، والعالم الإسلامى، وساندت حركات التحرير عبر القارات، وسارت بخطى ثابتة على طريق التنمية والعدالة الاجتماعية.
هذه الثورة امتداد للمسيرة الثورية للوطنية المصرية، وتوكيد للعروة الوثقى بين الشعب المصرى وجيشه الوطنى، الذى حمل أمانة ومسئولية حماية الوطن، والتى حققنا بفضلها الانتصار فى معاركنا الكبرى، من دحر العدوان الثلاثى عام 1956، إلى هزيمة الهزيمة بنصر أكتوبر المجيد الذى منح للرئيس أنور السادات مكانة خاصة فى تاريخنا القريب.
وثورة 25 يناير، 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضًا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معًا.
هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماضٍ مازال حاضرًا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها.
فالعالم الآن يوشك أن يطوى الصفحات الأخيرة من العصر الذى مزقته صراعات المصالح بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، واشتعلت فيه النزاعات والحروب، بين الطبقات والشعوب، وزادت المخاطر التى تهدد الوجود الإنسانى، وتهدد الحياة على الأرض التى استخلفنا الله عليها، وتأمل الإنسانية أن تنتقل من عصر الرشد إلى عصر الحكمة، لنبنى عالما إنسانيا جديدا تسوده الحقيقة والعدل، وتصان فيه الحريات وحقوق الإنسان، ونحن المصريون نرى فى ثورتنا عودة لإسهامنا فى كتابة تاريخ جديد للإنسانية.
نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضى وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل. قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا.
نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق بالعيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقًا فى يومه وفى غده.
نحن نؤمن بالديمقراطية طريقًا ومستقبلاً وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد على حق الشعب فى صنع مستقبلة، هو وحده مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا القادمة – السيادة فى وطن سيد.
نحن الآن نكتب دستورًا يجسد حلم الأجيال بمجتمع مزدهر متلاحم، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد للفرد والمجتمع، نحن الآن نكتب دستورًا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية.
نكتب دستورًا نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد، ونعالج فيه جراح الماضى من زمن الفلاح الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة فى زماننا، ونرفع الظلم عن شعبنا الذى عانى طويلاً، وتعرضت بعض فئاته لمظالم عديدة.
نكتب دستورًا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، والمرجع فى تفسيرها هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية فى هذا الشأن (1).
نكتب دستورًا يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التى شاركنا فى كتابتها وصادقنا عليها، ونرى ثراء مصادر التشريع يفتح أمامنا آفاق التقدم.
نكتب دستورًا يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية.
نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز.
نحن المواطنات والمواطنون، نحن الشعب المصرى، السيد فى الوطن، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا.
هذا دستورنا.
…………………………………………….
(1) يتم إيداع الاحكام فى المضابط.
0 التعليقات:
إرسال تعليق