«حفتر».. بدأ الاسم يتردد فى كل مكان بليبيا، يراه البعض أملا يخلصهم من فشل حكم المؤتمر الوطنى (البرلمان) والحكومة ويعيد الأمن المفقود، ويراه آخرون انقلابيا خارجا على شرعية المؤتمر. المشهد قبل ظهوره عبارة عن: كتائب مسلحة تقتل وتذبح وتمثل بالجثث فى درنة وبنغازى، 70 ضابطا ومجندا من رجاله يقتلون يوم جمعة الكرامة، فيرد بشن هجوم على مقر المؤتمر الوطنى وقصور الرئاسة. مسيرات تخرج تتضامن معه. كل الخيوط فى طرابلس ترسم اسمه سواء كانت معه، سرًا، أو ضده. من هنا بدأت عملية البحث عن حفتر.
فى مدينته بنغازى، التى تم وقف رحلات الطيران إليها وإغلاق مطار «بنينا» الدولى لأسباب أمنية فى 17 مايو الجارى، بسبب الهجمات العسكرية المتبادلة بين الكتائب المسلحة وقوات حفتر. الطريق الوحيد إلى بنغازى كان السفر إلى مطار الأبرق، على مسافة 320 كيلومترا من بنغازى. تمكنت «المصرى اليوم» من الحصول على تذكرة طيران من طرابلس إلى الأبرق يوم الإثنين فى السادسة مساء، قبل أن تذيع القنوات الليبية تحذيرا يمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى مطار الأبرق بسبب عدم استقرار الوضع الأمنى.
الوصول إلى الأبرق، الذى تسيطر عليه قوات أمن تابعة لحفتر، استغرق ساعة، مع تحذيرات من ركوب أى سيارة تاكسى، خوفا من الوقوع فى يد الكتائب المناهضة للواء المتقاعد أو أنصار الشريعة (تنظيم القاعدة). ضابط يوجه حديثه إلى ضابط برتبة أعلى «مصريين وما معهم شهادات صحية»، ليرد عليه: «اتركهم لخاطر السيسى.. النهاردة الانتخابات». بدأ تحقيق أمنى استمر ساعتين فى إحدى غرف مطار الأبرق، قبل السماح بالخروج من المطار بصحبة أحد رجال القبائل من بنغازى الذى قضى فترة علاج فى مصر وقت الثورة الليبية قبل ثلاثة أعوام.
بعد 3 أيام فى طرابلس؛ كانت هذه هى المرة الأولى التى يمكن سماع كلمة طيبة عند ذكر اسم «مصر» أو «السيسى»، بخلاف العاصمة ذات الولاء الإخوانى.
كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساء، وكان الظلام يخيم على الطريق إلى المدينة المعزولة، قائد السيارة رفع السرعة إلى 180 كيلومترا فى الساعة، للوصول سريعا إلى بنغازى، خوفا من أى اعتراض محتمل لكتائب أنصار الشريعة التى تتحكم فى البوابات الجنوبية لثانى أكبر المدن الليبية ومعقل حفتر. عبور حدود المدينة حيث سيطرة حفتر كان إشارة إلى انتهاء مؤقت لخطر الوقوع فى أسر تنظيم القاعدة. طريق سريع تسيطر عليه قوات الجيش المنضمة للواء حفتر مزروع بأكمنة كثيرة تبحث عن السلاح. يقول قائد السيارة: «السير فى طريق أكمنة الجيش أكثر أمانا، لأنهم يبحثون فقط عن الأسلحة، وإن وجدوها يصادرونها دون إلحاق أى أذى بصاحب السلاح. هنا لن يعترضنا أحد أو يطلب الهويات طالما سأخبرهم بأنك أختى، ولكن التزمى الصمت حتى لا يدرك أحد أنك مصرية، أما إذا وقعنا فى يد أنصار الشريعة وعلموا أنك صحفية سنفقد رأسينا سويًا».
320 كيلو مترا فى أقل من 4 ساعات انتهت بالوصول إلى قلب بنغازى، ومنها إلى رحلة البحث عن خالد حفتر، نجل اللواء. وصلنا إلى هاتف رجل يعرفه بصعوبة، قبل الوصول إليه لنعرض حوارا على والده، قائد معركة الكرامة، مفاوضات استمرت لنحو ساعة، انتهت بطلب مهلة قبل الرد النهائى. رن الهاتف برقم خالد حفتر قائلا إن والده وافق.
فى تمام الـ11 من صباح الثلاثاء، ذهبت الصحفية برفقة صديق ليبى إلى داخل «قاعدة بنينا الجوية»، حصن اللواء خليفة حفتر، حيث تعلو البوابة لافتة كبيرة كتب عليها أحدهم «تسلم الأيادى يا منقذين بلادى». تأكد ضباط أمن القاعدة من الموعد بعد الاتصال بالعقيد محمد الحجازى، الناطق الرسمى باسم اللواء حفتر. الدخول إلى القاعدة لم يستغرق أكثر من 10 دقائق، ثم استأذن العقيد محمد الحجازى فى 10 دقائق أخرى يتناول فيها قائد معركة الكرامة إفطارا خفيفا قبل بدء الحوار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق