ياني سخيبر – هنا امستردام بدأ رسام الجرافيتي عبود مثل الكثيرين غيره بطباعة رسومات الاستنسل في ميدان التحرير. الآن يعمل على لوحة جدارية كبيرة. ‘مرحلة الاخوان المسلمين قد انتهت، لكن نضالنا ضد النظام مستمر’. بكل تركيز يقوم عبود (30 عاما) برسم خطوط قطرية سوداء على الحائط. تظهر تدريجيا ملامح جمجمة، ثم تتشكل الاجنحة. ‘ضع المزيد من اللون الاحمر هناك’ يقول عبود لصديق يعمل على تلوين رسم ثعبان.
تدريب في الشارع
خلال المظاهرات ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان عبود مثل الكثيرين يقوم بطباعة وجوه القتلى والمعتقلين على الجدران. ‘حينها لم يكن هناك من وقت للقيام برسم جميل، كان يجب ان تنتشر الرسالة وبسرعة’. لكنه كان منذ اللحظة الاولى معجبا برسامي الجرافيتي مثل عمر ‘بيكاسو’ فتحي وعمارابو بكر. بدأ بعدها تدريجيا بمحاولات الرسم، ويمكن مشاهدة مراحل تطور عمله على الجدران في جميع انحاء شارع محمد محمود: من ملصق مع اخبار من 25 يناير وشخصيات كرتونية مختلفة، كل الاعمال التي تختصر ما يقوم به الآن. لم يحصل على اي تدريب فني ‘لكنني ارسم هنا ما اريد ان اعبر عنه، ولا احتاج للدراسة 5 سنوات من اجل ذلك’.
خلال النهار يعمل عبود، وفي المساء ينشغل بالرسم ‘هنا احصل على الراحة’. يعمل مع مجموعة من الاصدقاء، البعض يأتي ليتفرج والبعض الآخر يقوم بدهن جزء من الحائط. مع بسمة على الوجه يخبر عبود يساهم الجميع بالمال من اجل شراء الطلاء. هناك اتفاق ضمني غير مكتوب بين رسامي الجرافيتي، لكن قواعده واضحة ‘اذا كان هناك عمل جميل مرسوم على الحائط، لا نقوم بالرسم فوقه. انا اعمل على الرسومات القديمة لتصبح جديدة. هكذا يقف على الاجنحة التي رسمها، طائران كانا مرسومين على الحائط. قد يستغرق الامر شهورا حتى تكتمل الرسومات على الجدار، لكن في فكر عبود الصورة مكتملة. المخلوق المجنح والثعبان مكانهما الجانب المظلم، ‘بالاضافة الى شخصية معروفة من لعبة كومبيوتر، بهيئة عسكري’ يشير عبود الى المكان ‘وهناك في تلك الزاوية صبي وفتاة، من الشخصيات الكرتونية المعروفة، ويمثلان الثوار’.
الشخصيات المتخيلة تلعب لعبة الورق مع بعضها البعض، من اوراق اللعب تخرج وحوش تتصارع مع بعضها البعض: وهذه اللعبة ترمز الى الاحداث المهمة التي حصلت خلال فترة العامين والنصف الماضيين.
التفكير بواسطة المسدس
سبق ان صور عبود ورفاقه مثل هذا الصراع الدائر بين الخير والشر. على مقربة من هنا، تقف فتاة في ضوء الشمس تواجه ذئبا. بينهما يقف الحاكم ولكن من دون رأس، وتلطخت يداه بالدماء. ‘لا رأس له لانه من غير المهم من يكون هذا الشخص. إذ جميعهم يستخدمون العسكر والشرطة لتحقيق اهدافهم. انظري، هذا الشخص رأسه في شكل مسدس . هذه هي الطريقة التي يفكر بها العسكر: الطريقة الاسهل لحل المشكلة هي باطلاق النار عليها’.
في الساعات التي يقفون بها للرسم هنا، لا تأتي اي سيارة شرطة. ‘انه جنون، إذ انهم يقدمون فورا على اعتقال فتاة تلبس قميصا اصفر وعليه اربعة اصابع مرفوعة، في الوقت الذي استطيع فيه انا ان اقف هنا وارسم’ يقول عبود. لكنه يعتقد ان الامر سيكون مختلفا لو كتب على الجدار تعابير مثل ‘ليسقط العسكر’.'لكن رسالتي خلاقة وغير مباشرة. انا لا اريد ان اتهجم على احد، بل ان تحث اعمالي الناس على التوقف والنظر والتفكير’.
لكن اليوم التالي اكتشف بأن شخص مجهول قام بمحاولة تشويه الجرافيتي الذي كان يرسمه و وضع عليه اسمنت. بعدما قام عبود بتنظيف الحائط وأكمل رسمته ليجد في اليوم التالي نفس الفعل لكن باستخدام جبس ابيض مرة اخري لتشويه الجرافيتي . ‘سأعود ارسم من جديد واكمل ما تبقي من الجدارية ولن اتوقف امام من يجهل الفن او يري انني اخالفه الرأي’ ,يقول الرسام.
مطالب سارية
تمت إزالة الكثير من رسومات الجرافيتي عن الجدران او رسم فوقها من جديد خلال الفترة الماضية ‘اختفت رسوماتي الإستنسل الاولى منذ مدة طويلة’ يقول عبود. على مقربة من الجامعة الامريكية مازالت موجودة اولى اعماله التي رسمها باليد: ولد صغير شجاع يواجه ‘هالك’ عملاق الاخوان المسلمين. في العام الماضي استهدفت رسومات الجرافيتي الاخوان المسلمين.
لكن الآن يرى عبود ان ‘مرحلة الاخوان المسلمين قد انتهت’، مثل مراحل اخرى في الصراع. لكنه مستمر في محاربة ‘النظام’. ‘كان لدينا عدد من المطالب في 25 يناير 2011′ يقول عبود ‘العدالة الاجتماعية مثلا. مازال هناك اناس يأكلون من القمامة، في حين لدى اخرين كل شيء. هذا الامر لم يتغير بعد. والتعليم والرعاية الصحية. وشرطة بخدمة الشعب….من كل هذه المطالب لم يتحقق شيء بعد’.
جيكا
يشير عبود الى رسم اكتمل نصفه فقط ‘كان جيكا يعمل عليه’. كانت هذه من اصعب اللحظات بالنسبة له وذلك عندما قتلت الشرطة الصديق ورسام الجرافيتي والناشط ‘جيكا’ (جابر صلاح) في نوفمبر 2012 خلال إحياء ذكرى احداث محمد محمود والمواجهات الواسعة التي حصلت بين المتظاهرين والقوى الامنية.
‘رقد جيكا في المستشفى لمدة اسبوع، وجاء جميع الاصدقاء لزيارته، وانا كنت عنده وبعدها بقليل قام الاطباء بوقف اجهزة الانعاش بعد تأكدهم ان لا امكانية لانقاذه. يتجهم وجهه ويضيف ‘منذ تلك اللحظة انا لم اعد فنانا بل اصبحت فوضويا. الامر الوحيد الذي اريده هو الحصول على حق جيكا، وهذا ما سيحصل- اذا لم استطع تحقيق ذلك، الجيل القادم سيحققه’.
يعلم عبود انه ليس الوحيد مع مثل هذه الذكريات ‘كل شخص خسر صديقا او ابنا او شقيقا منذ 2011. اذا تعرضت لمثل هذه الخسارة لا تستطيع ان تهدأ ابدا. بالوقت الراهن لن يعم الاستقرار هنا’.
0 التعليقات:
إرسال تعليق